هل حقاً من الممكن أن يكون كل ماشهدته و تشهده الأرض من كائنات حية موجودة اليوم، أو كانت موجودة وانقرضت، نتجت عن طفرات عشوائية على الحمض النووي للخلايا الحية أدت إلى إضافة معلومات جديدة عليه؟ هل الطفرات العشوائية هي حقاً المسؤولة عن تنوع الكائنات؟
دعونا نضرب مثلا على ذلك، ومثالنا هو تطور الأسماك إلى برمائيات وزواحف.
، يقول التطوريون إن البرمائيات والزواحف تطورت من الأسماك، عبر طفرات متراكمة كثيرة استغرقت أزماناً سحيقة، فما هو المطلوب من الطفرات لتحويل السمكة إلى حيوان زاحف؟
دعونا نضرب مثلا على ذلك، يقول التطوريون إن البرمائيات والزواحف تطورت من الأسماك، عبر طفرات متراكمة كثيرة استغرقت أزماناً سحيقة، فما هو المطلوب من الطفرات لتحويل السمكة إلى حيوان زاحف؟
الطفرات العشوائية وهندسة البرمجيات:
إن ما يجعل السمكة سمكة، هي المعلومات والبرمجيات الموجودة في حمضها النووي، وحتى تتطور السمكة فتصبح السمكة حيواناً زاحفاً، فإن هذا يتطلب أن يطرأ على حمضها النووي طفرات، تؤدي إلى حدوث إضافات وتغييرات على البرمجيات والمعلومات الموجودة فيه فما هي هذه الإضافات والتغييرات؟ وبتعبير آخر: ما هي المعلومات والبرمجيات التي يجب إضافتها إلى الحمض النووي الذي تنتج عنه السمكة، لينتج عنه حيوان برمائي أو زاحف؟
إن الحمض النووي للسمكة يحتوي على معلومات وبرمجيات مقدارها وسطياً مليار ونصف مليار قاعدة نووية، أي مكتوبة بلغة القواعد النووية التي رأيناها في الفصل الرابع، (قد يزيد هذا الرقم وينقص حسب نوع السمك، وهذا الرقم هو لنوع من الأسماك اسمه السمك المخطط قام العلماء بوضع خارطة مفصلة لحمضه النووي، وحددوا حجمه بالتحديد وهو 1,412,464,843 قاعدة نووية)[1]، وهذا الرقم يزيد في البرمائيات لأنهها مخلوقات أكثر تقدماً من الأسماك، فمثلا قام العلماء بتحليل الحمض النووي لأحد أنواع الضفادع فوجدوا أن المعلومات البرمجية، أي عدد القواعد النووية في حمضه النووي تزيد عن 1,700,000,000 قاعدة[2]، وهذا الكلام معناه أنه حتى تتحول السمكة إلى ضفدع، (أي حتى يتحول حيوان مائي إلى حيوان برمائي) فينبغي أن تحدث على حمضها النووي طفرات متراكمة، تضيف إلى التعليمات البرمجية الموجودة في حمضها النووي، مزيداً من السطور البرمجية، تعادل حوالي 300,000,000 حرف من الشيفرة البرمجية.
لنفرض أننا أرسلنا تلك الكمية الضخمة من المعلومات والبرمجيات الموجودة في الحمض النووي للسمكة إلى فريق من أفضل وأذكى المبرمجين على وجه الأرض، وأكثرهم كفاءة، وطلبنا منهم دراستها و تحليلها، ثم تعديلها وإضافة ما يلزم من تعليمات برمجية (Code) مقدارها حوالي 300,000,000 حرف، بحيث يصلح لحمض النووي الجديد الإنتاج حيوان زاحف بدلاً من سمكة، (ضفدع مثلا)، فماذا عليهم أن يفعلوا؟
عليهم أولاً أن يتعلموا لغة البرمجة التي يستخدمها الحمض النووي في كتابة برامجه، وأن يتوصلوا من ذلك إلى معرفة الأمر البرمجي الناتج عن كل مجموعة مرتبة من القواعد النووية، ثم أن يفهموا ويستوعبوا تماماً ما هو البرنامج الذي يقوم بتشكيل كل عضو من الأعضاء، وكل جهاز من الأجهزة في السمكة، وكذلك البرمجيات التي تقوم بتشغيل هذه الأجهزة، فهناك برنامج يشغل جهاز التنفس، وآخر يشغل الجهاز العصبي، وثالث يشغل جهاز الهضم، ورابع يشغل عملية التكاثر، وخامس يتحكم بالنمو، وهكذا لكل الأجهزة والوظائف الحيوية في جسم الكائن الحي.
وبعد أن يحلل المبرمجون تلك البرامج ويفهموا تماماً تعليماتها البرمجية وطريقة عملها، عليهم أن يقوموا بتعديلها، والإضافة عليها، وبلغة الحياة نفسها، بحيث يأخذ كل عضو شكله الجديد، فيغيروا برامج الزعانف إلى برامج أطراف، ويحولوا التشكيل العمودي لجسم السمكة، والمهيأ لاختراق المياه، إلى شكل مفلطح محمول على الأطراف، مع تطوير عظم الحوض ليحمل الأرجل، وتطوير فقرات إضافية لتشكل رقبة الحيوان الزاحف، فالسمكة لا رقبة لها، وليتغير شكل الجمجمة بما يناسب حجم الدماغ الجديد، ويغيروا حراشف السمكة لتصبح جلداً أو وبراً، ويضيفوا إلى برنامج تشكيل العين تعليمات ينتج عنها إضافة أجفان لعيون السمك لتحميها من الغبار على اليابسة، ويحولوا الخياشيم إلى رئتين، وهكذا لكل عضو من أعضائها.
ثم على المبرمجين بعد ذلك أن يقوموا بتعديل وظائف الأعضاء والأجهزة، فعليهم أن يعدلوا برنامج التنفس بالخياشيم، إلى برنامج تنفس بالرئتين، وبرنامج جهاز الهضم الذي يهضم ما تأكله السمكة تحت الماء، إلى برنامج لهضم ما ستأكله في البر، وبرنامج تحريك الزعانف للسباحة إلى برنامج تحريك الأطراف للمشي، ولا بد من برامج إضافية للأصابع والمخالب، ولا بد من تعديلات جذرية على برنامج الجهاز العصبي، ليتحكم بكل هذه التغييرات الجديدة، وكذلك على وظائف الهيكل العظمي، لتناسب التغير الذي حصل على شكل العمود الفقري، والذي نتج عنه حوض وأكتاف تستند عليها الأطراف، وعلى هذا المنوال عليهم أن يمضوا في إجراء التعديلات البرمجية المطلوبة لتطوير السمكة إلى حيوان برمائي أو زاحف.
هل تستطيع الطفرات العشوائية تطوير برمجيات معقدة؟
ولا يجادل اثنان في أن تعديل وتطوير هذه البرامج أمر غاية في التعقيد، وبعيد كل البعد عن متناول عبقريات البشر وطاقات عقولهم، فمثلاً، يتطلب تطوير برنامج التنفس بالخياشيم إلى برنامج تنفس بالرئتين، يتطلب إضافةكمية هائلة من المعلومات والبرمجيات الجينية إلى الحمض النووي، تقدر بمئات الآلاف، إن لم يكن بملايين السطور البرمجية، إذ إن الجينات التي ستحوي برنامج التنفس الجديد، يجب أن تتضمن تعليمات لتغيير شكل الخياشيم وبنيتها الفيزيائية، وتغيير خلايا الخياشيم إلى خلايا جديدة لتكوين أنسجة الرئتين، وهي تختلف بالتأكيد عن أنسجة الخياشيم، وإضافة تعليمات لتزويد الرئتين بالعضلات اللازمة لحركتها من أجل التنفس، فالخياشيم لا تتحرك (عضلة التنفس في الإنسان هي الحجاب الحاجز)، ثم إنشاء أوعية دموية جديدة (أوردة وشرايين) تصل الرئتين بالقلب، وتغيير كيمياء الدم وبنيته ليتواءم مع التغيير الجديد في الجهاز التنفسي، وهذايتطلب إضافة الكثير من الأنزيمات والبروتينات الجديدة.
وما قلناه على جهاز التنفس ينطبق على كل الأجهزة الأخرى، مثل جهاز الهضم والأعصاب والعضلات والتكاثر وغيرها.
ومعررف أن هذا العمل البرمجي إن قدر له أن يتم، فإن له قواعد وأسس يعلمها مهندسو البرمجيات، فهناك اختصاص كامل يدرس في الجامعات اسمه هندسة البرمجيات (software engineering)، ومن قواعد وأسس هذا العلم، أن العلماء الذين يعكفون على كتابة برامج في مثل هذا التعقيد، عليهم أن يقوموا باختبارات قاسية جداً على كل برنامج فرعي منه، مثل برنامج التنفس مثلاً، ليتأكدوا من عدم وجود أي أخطاء برمجية، وليتأكدوا من أن برنامجهم يغطي كل الاحتمالات التي يواجهها الكائن الحي أثناء تنفسه، لأن وجود أي خطأ في برنامج التنفس، أو إهمال أي احتمال ممكن، قد يؤدي إلى هلاك الكائن الحي وتوقف عملية التطور المزعومة.
ثم بعد أن يختبر العلماء كل برنامج على حده، عليهم أن يقوموا بعملية جمع هذه البرمجيات بعضها إلى بعض والتنسيق بينها والربط بين مختلف مراحلها ليضمنوا بقاء الكائن الحي، فمثلاً عليهم أن يربطوا بين نظام الحركة ونظام التنفس والدورة الدموية، بحيث إذا ازداد النشاط الحركي والعضلي للكائن، تسارعت حركة رئتيه، ومن ثم تسارعت نبضات قلبه، وتوسعت شرايينه لتحمل الدم الحاوي على الأوكسجين بسرعة إلى العضلات حتى يتمكن من الحركة المطلوبة، ويمكن أن نتخيل بهذا المثال مدى الروابط المنطقية المعقدة بين مختلف برمجيات أعضاء الكائن الحي والتي على أولئك المبرمجين أن يقوموا ببرمجتها واختبارها ليضمنوا للكائن الحي الجديد (وهو هنا أول كائن تطور كما يزعمون من سمكة) حياته وبقاءه وتطوره.
والسؤال الآن: هل من الممكن أن يقوم البشر بهذه التغييرات كلها، وقد وصلوا من التقدم إلى ما وصلوا إليه؟ هل من الممكن علميا وعقلياً ومنطقياً أن نعطي فريقاً من المبرمجين العباقرة شيفرة الحمض النووي للسمكة، فيدخلوا مختبراتهم، ويشغلوا أدمغتهم، ويستخدموا حواسيبهم الجبارة، ليعودوا لنا بحمض نووي جديد معدل، نستبدله بحمض نووي لبيضة سمكة، فينتج عن تلك البيضة حيوان زاحف؟
جواب هذا السؤال واضح: هو (لا) كبيرة جداً،ولست أنا الذي يجيب، بل الذي يجيب هو ملك البرمجيات في العالم، (بيل غيتس)، الذي يقر بأن برمجيات الحمض النووي الموجودة حالياً تفوق في تعقيدها قدرة البشر.
فإذا كانت عقول البشر وعلومهم ومعارفهم تعجز عن ذلك، فهل يمكن أن نتخيل أن تتم كل هذه التغيرات على برمجيات الحمض النووي للسمكة بواسطة طفرات عشوائية متراكمة غير واعية تحدث على مدى أزمان سحيقة؟ هل يمكن أن تتم كتابة مئات الملايين من السطور البرمجية والتعليمات الحاسوبية والمعلومات الجديدة المرتبة المنسقة بطريقة عشوائية؟ هل يمكن أن تؤدي تغيرات عشوائية غير منسقة وغير مرتبة وناتجة عن عوامل مختلفة إلى إضافة مئات الملايين من السطور البرمجية على الحمض النووي للسمكة فينتج عنه ما ذكرناه من التغيرات؟ ويظهر مخلوق جديد؟ هل يمكن أن تقوم العشوائية بعمل برمجي خارق تعجز عنه أعظم العقول والعبقريات البشرية؟ وكل ذلك بطفرات عمياء لا إدراك لها؟ ذلك هو المستحيل بعينه.
وكم هو الفرق شاسع بين التغييرات المطلوبة على الحمض النووي لتطوير كائن من كائن آخر، كمارأيناها آنفاً، وبين ما يدعيه الملحد (ريتشارد داوكنز)، من أن تطور الكائنات ليس إلا نتيجة أخطاء تشبه ما يرتكبه الطباخون نعندما يحضرون وصفة مكتوبة، فينتج عن أخطاءهم أطباق جديدة لذيذة!! أهذا هو العلم الذي يتبجح به الدارونيون؟؟
مثال لتقريب دور الطفرات العشوائية
إن من يزعم أن هذا ممكن، مثله كمثل من يزعم أن كاتباً نشر قصة قصيرة جميلة ثم أراد أن يصدر منها طبعة جديدة، فطلب من شخص أن يطبعها له من جديد، فلما طبعها وجد في طباعتها بعض الأخطاء غير المقصودة، وبعض الجمل الإضافية هنا هناك، أضافها الطابع بالخطأ، ولكن يا للعجب، هذه الأخطاء كانت مفيدة، فجعلت بعض الجمل أفضل، وبعض الحوادث أجمل وأكثر تفصيلا، وبدلاً من أن يوبخ الكاتب الطابع، شكره، ثم أعطى القصة لطابع آخر ليطبعها له، ففعل، ولكنه أيضاً ارتكب بعض الأخطاء الجديدة، فلما اجتمعت تلك الأخطاء مع أخطاء الطابع السابق، زادت القصة جمالاً إلى جمال، فراح الكاتب يعطيها لطابع بعد طابع، وبعد أن أعاد طباعتها آلاف المرات، حصل على رواية بدل القصة القصيرة، رواية جديدة متناسقة الأحداث، مترابطة الجمل، متتابعة الفصول، مختلفة في سياقها وسردها عن القصة الأولى، ذات أسلوب مغاير عن أصلها، فأرسلها إلى المطبعة فوراً، ولكن بعنوان جديد لا يمت إلى القصة الأولى بصلة.
هل يمكن للعقل والعلم والمنطق أن يتصور حدوث ذلك؟ إن تصور حدوث ذلك هو أهون من تصور تغير الحمض النووي بشكل عشوائي تراكمي لينتج عنه مخلوق جديد.
دعوا الأرقام تتحدث:
إن تطور السمكة إلى حيوان زاحف، يتطلب كما رأينا إجراء تعديلات على المعلومات الموجودة في حمض السمكة النووي، وإضافة كمية من المعلومات تزيد عن ثلاثمائة مليون من القواعد النووية، أي من الحروف البرمجية المستخدة في كتابة لغة الحياة وهذه الملايين الثلاثمائة من القواعد النووية التي يجب إضافتها، يجب أن تكون مرتبة ومنسقة بدقة شديدة، فهي ليست معلومات عادية، هي برمجيات حاسوبية لم يكتب مثلها بشر، فماذا يقول لنا علم الرياضيات والاحتمالات حول إمكانية أن تحدث هذه الإضافات بشكل عشوائي؟ ما هو احتمال أن يتم إضافة ثلاثمائة مليون حرف إلى الحمض النووي للسمكة بشكل مرتب على نسق معين لكي تتحول السمكة إلى حيوان برمائي، هو ضفدع في مثالنا؟
رأينا أن الحمض النووي يحتوي عل أربعة قواعد نووية هي بمثابة الأبجدية التي يتم بها كتابة برمجيات ومعلومات الكائن الحي، ويخبرنا علم الاحتمالات أن احتمال حصولنا على حرف واحد نختاره عشوائياً من أربعة أحرف هو 1/4، وأن احتمال اختيار وترتيب حرفين من أربعة على نسق معين هو إذن، ¼*¼ أي 1/16 وهي قيمة تساوي 1مقسومة على 4 مرفوعة للقوة 2، أما ترتيب ثلاثة حروف من الأربعة على نسق معين فهو ¼*¼*¼
أي 1/64، وبتعبير رياضي آخر هو 1 مقسوما على 4 مرفوعة للقوة (3)، فما هو احتمال ترتيب ثلاثمائة مليون حرف من أبجدية قوامها أربعة حروف على نسق وترتيب معين؟ علم الرياضيات والاحتمالات يخبرنا أن هذه النسبة هي 1 مقسومة على أربعة، وهذه الأربعة مرفوعة للقوة ثلاثمائة مليون!! أي عقل بشري يستطيع تخيل ضآلة هذا الرقم؟ وأي علم ومنطق يقول إن إضافة ثلاثمائة مليون حرف بتنسيق وترتيب معين إلى الحمض النووي للسمكة لتصبح حيوانا زاحفاً يمكن أن يحدث بواسطة طفرات عشوائية متراكمة؟
الدارونية الجديدة تقول ممكن!! فما رأيك عزيزي القارئ؟
يؤكد الدكتور (لي سبينتر)، وهو محاضر في جامعتي (هارفرد) و (جون هوبكينز) الشهيرتين، أنه لم يتم تسجيل حالة واحدة لثابتة علمياً لهذا النوع من الطفرات، وقد جاء هذا التأكيد في كتابه (ليس بالصدفة: تحطيم الدارونية الجديدة)[3]
نقطة في بحر
إن المعلومات اللازمة لتطور سمكة إلى ضفدع هي أقل من نقطة في بحر، وأقل من ذرة في مجرة، بالنسبة للمعلومات الموجودة على سطح أرضنا في الخلايا الحية، فقد رأينا أن المعلومات التي ينبغي إضافتها لتتطور سمكة إلى ضفدع تعادل حوالي ثلاثمائة مليون حرف من المعلومات المنسقة المرتبة، فكم ياترى كمية المعلومات التي تمت إضافتها للأحماض النووية للكائنات الحية منذ نشوء الحياة على الأرض إلى يومنا هذا حتى حصلنا على كل ما نراه من مخلوقات وكائنات؟ هل يمكن تصور هذا الرقم؟
دعونا نحاول، علينا أولا ، نحصي عدد الأنواع الموجودة اليوم، وأن نحسب عدد القواعد النووية الموجودة في كل منها، ثم نحسب عدد الأسلاف التي تفصلها عن المخلوق الأول، وهو البكتيريا، الذي يزعم التطوريون أنها أصل الحياة، ثم نحسب عدد السطور البرمجية، أو كمية المعلومات التي أضيفت ما بين كل سلف وخلفه على مسار تطور كل حيوان أو نبات عاش على الأرض، (على فرض صحة نظرية التطور) بما في ذلك المخلوقات التي انقرضت، وهي أضعاف أضعاف المخلوقات التي تعيش اليوم، فما هي كمية المعلومات والبرمجيات التي تم إنتاجها أو كتابتها على سطح الأرض؟
نريد من التطوريين أن يثبتوا لنا ن هذه الكمية من المعلومات التي يعجز الحاسبون عن حسابها، ويعجز العقل عن تصور كميتها، والتي بلغت -باعتراف التطوريين- درجة مذهلة من التناسق والإبداع والكمال، أن يثبتوا لنا أنها كلها نشأت بطفرات عشوائية عمياء، نتيجة أخطاء مطبعية، أو تفاعلات كيميائية عشوائية ،وأنها حصلت على أزمان متلاحقة، لا تعرف السابقة منها ما ستفعله اللاحقة، ولكن ويا للعجب كانت اللاحقة منها تكمل السابقة، وكأنهما على اتفاق، حتى امتلأت الأرض بما لا يكاد يحصى من المخلوقات.
لقد عجز التطوريون تماماً عن إثبات ذلك، إذ لم يثبت إطلاقاً أن طفرة عشوائية على أية خلية حية أضافت معلومات جديدة على حمضها النووي.
ألا يدفعنا ذلك لتساؤل لا مفر منه: هل يمكن أن تكون كل هذه المعلومات والبرمجيات، التي نشأت عنها كل الأنواع التي نعرفها من المخلوقات، قد حدثت نتيجة أخطاء طباعية أثناء نسخ الجينات ؟هل نحن حقاً أمام تغيرات وإضافات عشوائية ينتج عنها هذه الكمية التي لا تحصى من المعلومات والبرمجيات؟ (أو هي نتيجة أخطاء تشبه أخطاء الطباخين كما يزعم كبير الملحدين!)
إن من الواضح كل الوضوح، أن ما يحدث هنا على سطح الأرض، فيؤدي إلى نشوء أنواع جديدة، واستمرارها وتكاثرها، ليس تكيفا مع الظروف كما زعم دارون، وليس طفرات عشوائية كما تزعم الدارونية الجديدة، بل نحن أمام قوة برمجية ومعلوماتية هائلة خارقة، يصعب على العقل البشري تصور مدى قدرتها وخبرتها وحكمتها وتمكنها وتعقيد عملها وضخامته، تعمل على مدار الساعة منذ كانت حياة على الأرض، بلاكلل ولا ملل، ولا خطأ ولا تقصير، فتبدع متى شاءت وأرادت، دون حاجة لتدرج، تبدع من المعلومات والبرمجيات ما يتكفل بإنتاج هذا التنوع الهائل في الخلق والمخلوقات، وعلى من يدعي أن تلك الكمية التي تفوق التصور من المعلومات والبرمجيات، ناتج عن طفرات عشوائية، ومصادفات عبثية، أن يثبت قوله بالدليل العلمي والمنطقي، بعد أن أثبت العلم الحديث مدى ضخامة وتعقيد وروعة وإحكام وحكمة وتصميم وتخطيط وتنفيذ هذه المخلوقات المتنوعة.
ولا نقول في نهاية هذا الفصل إلا ما يرضي ربنا، سبحان الخلاق العليم القدي، “الذي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه”[4]، “والذي قدر فهدى”[5]
______________________________________
المصدر: كتاب (العلم يؤكد شكوك دارون)، تأليف: فداء ياسر الجندي
[3] ليس بالصدفة! تحطيم نظرية التطور الجديدة، الدكتور لي سبينتر ص 107
Not by chance! Chattering the modern theory of evolution, By Dr. Lee Spenter
[4] سورة السجدة الآية 7
[5] سورة الأعلى الآية 3



